الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

اجهزة الرصد الفلكي

أجهزة الرصد الفلكي


أجهزة الرصد الفلكي astronomical instruments هي أجهزة مكونة أساساً من جزء يجمِّع أشعة ومن تجهيزات متممة تساعد في رؤية صورة مكبرة للنجم أو تصويره.
لقد ظل الرصد الفلكي يجري بالعين المجردة حتى بداية القرن السابع عشر, حين اخترع العالم نيوتن في الثلث الأخير من القرن ذاته الفلكية العاكسة. ومنذ ذلك الحين مازالت هاتان الآلتان تتلقيان التحسين والعناية حتى أصبحتا على الشكل المتقن الذي بلغتاه اليوم ويطلب الآن من جهاز الرصد أن يوفر للفلكي الأمور الثلاثة الآتية وهي: تلقي إِشعاع النجوم على جهاز الاستقبال (وهو العين أو لوحة التصوير أوالمطياف..), وتشكيل صورة لجرم أو لمنطقة معينة من في المستوى البؤري (المحرقي) للجهاز, والفصل بين أجرامٍ واقعة على بعدٍ زاوي صغير فيما بينها, مما يجعل العين المجردة غير قادرة على الفصل بينها لولا جهاز الرصد.
إِن القسم البصري الأساسي في المنظار أو في هوالجسمية. ويتلخص عملها في تلقي الضوء الآتي من الجرم السماوي وإِنشاء صورة له أو لمنطقة من . وتتصل الجسمية بأداة الاستقبال بوساطة أنبوب. أما القسم الميكانيكي الذي يحمل الأنبوب ويوفّر له توجيهه فيسمى الحاضنة mounting. وإِذا كان مستقبل الضوء هو العين, فإِن المنظار ينبغي بالضرورة أن يكون مزوَّداً بعينية eye- piece لفحص الصورة التي تشكلها جسمية الجهاز.
وأما في حالات الرصد بالتصوير أو الرصد الكهرضوئي أو الطيفي, فلا حاجة إِلى العينية. إِن لوحة التصوير وشق المطياف, والحجاب الذي يتحكم في شدة الضوء الكهربائي, تركَّب مباشرة في المستوى البؤري للجهاز.
إِن التي جسميتها عدسات تسمى راصدة كاسرة أو منظاراً. ولما كانت الأشعة الضوئية التي لها أطوال موجية مختلفة تنكسر بزوايا انكسار مختلفة, فإِن الجسمية المؤلفة من عدسة واحدة تشكل صورة مقزَّحة. هذه الظاهرة تسمى الزيغ اللوني chromatic aberration وهذا الزيغ يمكن أن يصبح زهيداً إِذا تكونت الجسمية من عدستين تحققان شروطاً معينة (وذاك في الجسمية اللالونية).
أما قوانين الانعكاس فلا تتعلق بطول موجة الضوء, لذلك انصرف التفكير إِلى أن يُستبدَل بالجسمية ذات العدسات مرآة كروية مقعَّرة. فالمنظار الفلكي الذي يعمل على هذه الطريقة يسمى راصدة عاكسة refracting telescope أو راصدة. وأول راصدة كان قطر فتحتها 3 سم فقط وطولها لا يتجاوز 15 سم, وقد صنعها نيوتن عام 1671, أي بعد منظار غاليليو بـ71 سنة. أما اليوم فهناك راصدة قطر فتحتها 5 أمتار وأخرى قطر فتحتها 6 أمتار.
إِن المرآة الكروية لا تجمِّع أشعة الحزمة المتوازية في البؤرة تماماً, ولكنها تشكل في البؤرة بقعة غير واضحة الحافة. إِن هذا التشويش في الصورة يسمى زيغاً كروياً spherical aberration. أما إِذا جُعل شكل المرآة قطعاً مكافئاً دورانياً مجسماً, فإِن الزيغ الكروي يزول, وعندئذ, إِذا سقطت على المرآة حزمة متوازية موجَّهة وفقاً لمحور هذا القطع المكافئ, تجمّعت الأشعة في البؤرة بلا تشويش تقريباً, ما عدا التشويش الناجم عن الانعراج (الحيود) diffraction وهذا ما دفع إِلى اختيار شكل القطع المكافئ في مرايا الراصدات الحديثة (الشكل1). 
لقد كان الهدف الأساسي للرصد بالمناظير والراصدات, حتى نهاية القرن التاسع عشر, هو دراسة المواقع الظاهرية للنجوم.
وكان هنالك دور مهم لرصد المذنَّبات وتفاصيل أقراص الكواكب السيارة, وكل هذه الأرصاد كانت تجري بالبصر, وكان المنظار الكاسر المزوَّد بجسمية ذات عدستين يكفي تماماً لحاجات ذلك العهد.
في أواخر القرن التاسع عشر, وفي القرن العشرين, طرأ على الفلك بوصفه علماً, تغيرات جوهرية, إِذ انتقل مركز ثقل البحوث إِلى نطاق فيزياء النجوم وإِلى فلك النجوم, وأصبح الهدف الرئيسي للبحوث دراسة المميزات الفيزيائية للشمس والكواكب السيارة والنجوم والمنظومات النجمية. وظهرت أدوات مستقبلة للإِشعاع جديدة هي لوحة التصوير والخلية الكهرضوئية, وتم تطبيق الكشف الطيفي على نطاق واسع, لذلك فإِن المطالب والشروط التي غدت مفروضة على الراصدات, صار عليها أن تفي في المستقبل بمتطلبات غير التي كانت تفي بها قبلاً.
لقد غدا من المرغوب في بحوث فيزياء النجوم ألاّ تفرِض بصريات الراصدات أي قيود على الفاصل المتاح والمتيسر من أطوال أمواج الضوء: لأن الحدود والقيود التي يفرضها جو الأرض مفرطة في حد ذاتها. ولكن العدسات تُصنع من زجاج يمتص الإِشعاعات فوق البنفسجية والإِشعاعات تحت الحمراء, وإِن مدى حساسية لوحات التصوير والخلايا الكهرضوئية يشمل نطاقاً من الطيف أوسع من نطاق حساسية العين وإِن تأثير الزيغ اللوني في هذه المستقبلات هو أقوى.
لذلك فإِن الأبحاث والدراسات التي تجري في نطاق فيزياء النجوم تقتضي استعمال الأجهزة العاكسة, إِضافة إِلى أن صنع مرآة كبيرة للعاكس أسهل بكثير من صنع جسمية لا لونية ذات عدستين, لأنه بدلاً من معالجة أربعة سطوح كاسرة بدقة بصرية (أقل من ثُمن طول الموجةλ تقريباً, أي 0.1 مكرون تقريباً من أجل أشعة الإِبصار) لا يضطر صانع الجهاز إِلى أن يهتم إِلا بسطح واحد, إِضافة إِلى أنه لا يتحتم عليه عندئذ أن يراعي قيوداً شديدة تتعلق بالتجانس الذي يتطلبه زجاج العدسات. إِن كل هذه الأمور قد جعلت من العاكس الجهاز الأساسي لفيزياء النجوم, أما بحوث قياسات النجوم فتُستعمل فيها عدسات كاسرة. ذلك أن العاكسات حساسة جداً بأدنى دوران طارئ يصيب المرآة فيها لأن زاوية الورود تساوي زاوية الانعكاس, فإِذا دارت المرآة المستوية بزاوية قدرها يه, انتقلت الصورة (الخيال) بزاوية قدرها 2يه. وأما الانتقال الذي يولده دوران مماثل لعدسة جسمية فهو أصغر, وما دامت مواقع النجوم في بحوث القياسات النجمية يجب أن تقاس بالدقة العظمى, فإِن اختيار العدسات الكاسرة هو المفضَّل.
إِن الصورة التي يولدها العاكس ذو المرآة المكافئية واضحة جداً, كما سبق ذكره ولكن يقتضي هنا إِبداء احتياط: يجوز أن تُعدّ الصورة كاملة ما دامت قريبة من المحور, ولكن الابتعاد عن المحور يُظهر فيها تشويهات, فالعاكس الذي له مرآة مكافئية واحدة لا يمكَّن من تصوير مناطق كبيرة من , من رتبة 5 درجات ×5 درجات مثلاً, وذلك أمر ضروري لدراسة الحشود النجمية والمجرات والسدم المجريّة, لذلك فمن أجل الأرصاد التي تتطلب حقلاً واسعاً تُصنع كواسر - عواكس تُصحَّح فيها زيوغ المرآة بعدسة رقيقة تكون في أغلب الأحوال شفافة للأشعة فوق البنفسجية. وقد كانت مرايا العاكسات قديماً ما بين القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر تصنع من أشابة (سبيكة) معدنية خاصة. ثم بعد ذلك, لأسباب تقنية استعاض صانعو الآلات البصرية عن المعدن بالزجاج. يعالج أولاً معالجة بصرية, ثم يغطى بطبقة رقيقة من المعدن ذات معامل انعكاس كبير (الألمنيوم خاصة).
المميزات الرئيسية للأجهزة الفلكية: 
إِن العنصرين الرئيسيين المميزين للمنظار وللراصدة هما:قطر الجسمية (قط), وبعدها البؤري (ق). وكلما كان القطر أكبر كان التدفق الضوئي (تد) الذي يلتقطه الجهاز أكبر, وتعطى عبارة التدفق بالصيغة:


حيث(ض) هي استنارة الجسمية و(سط) سطحها. إِن ما يميز الجهاز الفلكي, سواء أكان منظاراً أم راصدة, شيئان هما مقدرة الفصل resolving power والتجسيم magnification.
مقدرة الفصل:
نظراً لظواهر الانعراج الناجمة عن الطبيعة الموجية للضوء, لا تكون صورةُ النقطة الضوئية المشكَّلة بوساطة جسمية (عدسة كانت أو مرآة) نقطة بل بقعة, ولما كان محيط الجسميات مستديراً, فإِن هذه الصورة تكون في الواقع بقعة ضوئية صغيرة مستديرة, ضياؤها أعظمي في مركزها, وتحيط بها حلقات متحدة المركز, هي على التناوب مظلمة ومضيئة. وهذه الحلقات المضيئة يتناقص ضياؤها بسرعة بحيث لا ترى إِلا البقعة الصغيرة.
إِن الزاوية (يه) التي تقابل في نصف قطر أول حلقة مظلمة تحيط بالبقعة المضيئة تعطى بالصيغة :



حيث تقدَّر (يه) بالراديان, وحيث (قط): قطر فتحة الجسمية. ويمكن أيضاً تقدير (يه) بثواني القوس و(قط) بالسنتيمترات, وبتطبيق الصيغة السابقة باعتبار طول الموجة λ,طول موجة الشعاع الأصغر (وهو الذي تبلغ عنده حساسية العين قيمتها العظمى), تصبح الصيغة عندئذ:

وتمثل الزاوية (يه) قياس أصغر التفاصيل الدقيقة التي تمكِّن الآلة البصرية من رؤيتها وتمييزها, أو بعبارة أخرى: البعد الزاوي لنجميْن يمكن رؤيتهما مفصولين أحدهما عن الآخر. وهذه هي العبارة النظرية لمقدرة الفصل.
إِن مقدرة الفصل تكون أحسن كلما صغرت قيمتها. وهكذا فكلما كان قطر جسمية الآلة البصرية (قط) أكبر كانت مقدرة الفصل لهذه الآلة أحسن. ومن جهة ثانية, عندما يكون القطر محدداً, تصغر مقدرة الفصل عند ازدياد طول موجة الضوء.
إِن مقدرة الفصل النظرية للراصدة التي قطر فتحتها 5 أمتار, المركبة في مرصد جبل بالومار Palomar بكاليفورنية هي 0.024 ثانية, أما في الواقع, وبمراعاة اضطراب الجو فإِن من الشاذ أن تهبط قيمة مقدرة الفصل دون 0.1 ثانية.
التجسيم :
تتعين مقدرة المنظار الفلكي خاصة بالتجسيم الذي يمكِّن من استعمال المنظار استعمالاً مفيداً, وهو مع بقاء جميع الشروط الأخرى على حالها, يتعلق بضيائه وبمقدرة الفصل فيه. إِن التجسيم لا يتحدد إِلا في حالة الرصد بالعين, وذلك بوساطة عينية تتألف دوماً من عدستين يكون لهما حقل زاوي خاص أكبر بكثير من حقل المكبرة البسيطة, وزيغ هندسي أقل. والتجسيم موجب دوماً بحيث يتيح استعمال معلمات مادية مثل الخيوط أو المكرومترات المنقوشة على الزجاج, في مستوي الصورة البؤرية الذي هو المستوى البؤري الجسمي للجملة العينية, فإِذا كان البعد البؤري الناتج لهذه الجملة (ق) والبعد البؤري لجسمية النظارة (ق), فإِن التجسيم الحاصل هو


ولما كان بؤبؤ الدخول إِلى الجهاز هو الحافة الحرة للجسيمة, فإِن بؤبؤ الخروج هو صورته التي تكونها العينية أو القرص العيني, وهي صورة حقيقية وتقع إِلى الوراء قليلاً من العدسة الثانية التي تسمى عدسة العين, في حين أن العدسة الأولى هي عدسة, فإِذا كان قطر هذه العدسة (قطَ) فإِنه يمكن كتابة التجسيم أيضاً على النحو:


حيث (قط): قطر جسمية المنظار, فيمكن إِذاً حساب (تج) انطلاقاً من قياس (قطَ), وقد كان هذا مبدأ قياس التجسيم (دينامتر) لرمْسدن Ramsden حيث كان يُجلب إِلى مستوى حلقة البقعة زجاجة شفافة قد نقش عليها سلم دقيق جداً ينظر إِليه بمكبّرة تمكِّن مباشرة من قراءة قيمة (قطَ). هناك قيمة دنيا تجد للتجسيم تسمى «متساوية البؤبؤ» إِذا نزلنا إِلى ما هو أدنى منها لا تتم الاستفادة من الجسمية بكاملها, وقيمتها 


ذلك لأنه إذا كان تجذ> تج
فإِن بؤبؤ الخروج يفيض على بؤبؤ العين, وهذا الأخير يحجب أو يحظر بنفسه بؤبؤ الدخول المفيد فينقص الضياء الفعلي للجهاز.
يُعرَّف كذلك تجسيم أدنى تكون مقدرة الفصل - ابتداءً منه - قد استُثمرت استثماراً حسناً. وينبغي من أجل ذلك لهذا التجسيم الذي يسمى «الفاصل» تج أن يُري مقدرة فصل الجسمية ضمن زاوية تساوي حدة البصر, أي دقيقة واحدة أو 60 ثانية.


وينتج أن تج ف = 3 تج د
وهكذا, فإِن الجسمية التي قطرها 60 سم, يكون فيها تجف=300 وتجد=100
الكاسرة أو المنظار
إِن جسمية المنظار هي دوماً زوج لا لوني من العدسات. ولا يظهر الزيغ اللوني إِلا في الآلات الكبيرة, فيبدو هدباً بنفسجياً على حافة القمر, أو هالةً من اللون نفسه حول النجوم الشديدة اللمعان. وهناك بعض الجسميات تتألف من ثلاثيات بحيث أن تصحيحها من حيث اللالونية أميز من الأولى ولكن قطرها محدود بـ 20سم تقريباً لأنها تتطلب عدسات خاصة جداً, منحوتة وفقاً لسطوح كبيرة الانحناء, ولذلك فإِن مَرْكَزَتها صعبة وكلفتها كبيرة. إِن الجسميات المؤلفة من عدستين فيها تعويض جيد للزيوغ الهندسية (الزيغ الكروي والتذنب والتشوه) التي توجد في العدسة البسيطة. ويوجد من هذه الثنائيات عدة أشكال تقليدية يختلف بعضها عن بعض ولاسيما بانحناءات وجوه العدسات المستعملة, بحسب ما يكون المطلوب فيها هو الوضوح إِلى أبعد إِمكاناته مع نعومة الصورة على المحور, أو الحصول على صورة صحيحة مضبوطة ضمن حقل متسع, ويكون المطلوب أحياناً بعداً بؤرياً أقصر مع فتحة معينة.
تركّب العدسات في طاحونة مع وصلة تجنِّبها الضغط ولكن من دون أن تترك للعدسات مجالاً للتحرك في مكانها. إِن الجسميات الصغيرة وحدَها, أي التي قطرها أصغر من 4 سم, التي توجد في المصوِّبات أو في غيرها من الأدوات الملحقة, تلصق بوساطة صمغ كندا, وأما جسميات المناظير فإِن عدساتها تكون مفصولة بثلاثة أسناد موزعة على 120 درجة وموضوعة على المحيط. ويرافق المنظار حقيبة فيها عدد من العينيات تُراوح أبعادها البؤرية بين بضعة دسيمترات وبضعة مليمترات. وأطول هذه العينيات هي التي تعطي التجسيم (تجد ) ويبلغ بعدها البؤري 9 سنتيمترات.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق